العمالة الفلسطينية داخل إسرائيل

العمالة الفلسطينية داخل إسرائيل.. خبز اليهودي وملعب السماسرة

  • العمالة الفلسطينية داخل إسرائيل.. خبز اليهودي وملعب السماسرة

اخرى قبل 5 سنة

العمالة الفلسطينية داخل إسرائيل.. خبز اليهودي وملعب السماسرة

السلطة الفلسطينية تحسن التحري عن كتاب المنشورات الانتقادية في “فيسبوك”، واعتقالهم، وأجهزة أمنها تبعد حماس ونشطاءها عن الفضاء العام في مناطق الضفة الغربية، والشرطة الفلسطينية تعتقل من يأكل علناً في شهر رمضان، لكن جميع أجهزة الأمن هذه لا تمس بالسماسرة الفلسطينيين الذين يديرون مع مشغلين إسرائيليين سوقاً سوداء لتصاريح العمل. السماسرة يفعلون ذلك وهم يساعدون في استغلال عشرات آلاف العمال الفلسطينيين كل سنة في وضح النهار.

ليس من الغريب حقيقة أن السلطات الإسرائيلية تعرف عن المتاجرة غير القانونية، ورغم الوعود للإصلاح، تسمح لها بالبقاء. الإسرائيليون الذين يكسبون من هذا الأمر بصورة مباشرة هم مصوتون أو مؤيدون محتملون لسياسيين. وهم أيضاً يعرفون أي موظف يمكن إقناعه بأن يغض الطرف، وأي رشوة يجدر إعطاؤها له. الشركات الإسرائيلية مسجلة ومراقبة ومعروفة. ليست مشكلة كبيرة اكتشاف من يشغل فلسطينيين حسب حصته، ومن يعطي تقارير كاذبة. ولكن سرقة الفلسطينيين هي خبزنا اليومي، نحن الإسرائيليين اليهود. الأرض والمياه والفضاء والينابيع والبيوت والطبيعة والجمارك والضرائب التي لا نقوم بإعادتها لخزينة السلطة، ونأخذ عليها أيضاً عمولات كبيرة. الغرامات العالية التي تفرضها المحاكم العسكرية، وغيرها الكثير، والقائمة لا تنتهي. علينا القول باختصار: السطو جزء من السيطرة.

نحن في العهد ما بعد الرومانسي. يجب عدم الاستغراب من وجود فلسطينيين يساعدون على استغلال إخوتهم الذين يكرسون 18 ساعة يومياً للعمل في إسرائيل (بما في ذلك الذهاب إليها والعودة منها) من أجل إعالة عائلاتهم باحترام. الأمر الغريب هو الوقوف جانباً للسلطة الفلسطينية، لأن هناك أموراً – المجتمع الفلسطيني بشكل عام – يمكن فعلها، ومنع سماسرة التصاريح هو أحدها.

أعلنت الحكومة الفلسطينية قبل أسبوعين بأنها قررت العمل ضد هذه الظاهرة بدون تفصيل الطرق. من المحرج الاستنتاج أن ما جعلها تتخذ هذا القرار هو تقرير بنك إسرائيل الذي حاول قياس حجم الأرباح التي يحصل عليها المشغلون الإسرائيليون والسماسرة الفلسطينيون والإسرائيليون من سوق التصاريح (120 مليون شيكل في العام 2018 حسب تقدير محافظ). منظمة “خط للعامل” حاولت خلال السنين إقناع السلطات في رام الله بالعمل. والآن عندما دُعمت استنتاجاته وتحذيراته بتقرير جهة رسمية في الدولة المحتلة، فإن هناك شخصاً ما في الحكومة الفلسطينية انتبه إلى حجم الخجل وعظمة الإهمال.

ربما أكون مجرد شريرة، ويمكن أن أعزو التغيير إلى حكومة محمد اشتية، التي تسعى أيضاً إلى فصل الاقتصاد الفلسطيني عن التبعية الإسرائيلية. السكرتير الدائم (30 سنة تقريباً في منصبه بدون انتخابات) في اتحاد نقابات العمال الفلسطينيين، شاهر سعد، خرج بتصريح داعم لخطوات حكومته لوسائل الإعلام. ولكن تصريحات لا تساوي أي شيء. تقرير بنك إسرائيل يقدر بأن ثلث عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل يضطرون إلى شراء تصاريح العمل. هكذا أيضاً قدر تقرير لـ “خط للعامل” في العام 2014. ولكن في تقرير آخر شامل في هذه السنة عن تشغيل فلسطينيين في سوق العمل الإسرائيلية (الذي اسمه المناسب “احتلال العمل”) فإن التقدير قفز: نصف العمال الفلسطينيين تقريباً يضطرون لشراء التصاريح. كتب في التقرير.

هناك من لديهم انطباع بأن نسبة من يشترون التصاريح أعلى بكثير. هذا ما كتبه لي أ.ت، أحد معارفي القدامى. “حسب ما أعرف، كل عامل فلسطيني يدفع مقابل الحق في العمل بإسرائيل (فرع البناء وفرع الزراعة)”. وقد تحدثت عن ذلك مع عشرات الأشخاص، جميعهم اضطروا لشراء التصاريح من مقاولي التصاريح الإسرائيليين الذين يكسبون عشرات ومئات آلاف الشواكل شهرياً من السمسرة بهذه التصاريح. وهذا هو انطباع صديق آخر (60 سنة)، وهو فلسطيني عمل تقريباً 30 سنة في إسرائيل من دون تصريح. “كل من حولي، غير الممنوعين من الدخول إلى إسرائيل، قام بشراء تصريح عمل”.

في العام 1995، اشترى صديق آخر أول تصريح عمل من عميل عرفه من المدرسة. وقد طلب 700 شيكل وقال بأن معظم هذا المبلغ يذهب للمشغل. في حينه كانت الظاهرة جديدة نسبياً. لقد بدأت بعد العام 1991 عندما وضعت إسرائيل نظام تقييد حركة الفلسطينيين (الذي يسمى إغلاقاً). في ذلك الوقت تحولت إلى ظاهرة طبيعية، إلى أن قامت إحدى سكان بيت لحم التي تعمل في القدس (لم تضطر إلى شراء تصريح، ومن يشغلونها يهتمون بحقوقها)، أخبرتني عن حدود توقعاتها: “على ابني أن يدفع 2500 شيكل ثمناً للتصريح في كل شهر. وبعد ذلك البحث عن عمل. وإذا كان محظوظاً يحصل على أجر بمبلغ 5 – 6 آلاف شيكل. الـ 2500 شيكل مبلغ كبير، وعلى الأقل ليقوموا ببيعه بـ 700 شيكل، هكذا يمكننا تدبر أمرنا”.

قبل 20 – 25 سنة تقريباً همس الناس بهذه الظاهرة، وطلبوا ألا يكتب عنها أي شيء من أجل عدم الإضرار بفرص عملهم. وعندما ارتفع ثمن التصاريح وأخذ عدد البائعين والمشترين يزداد باستمرار، انخفضت القدرة على تحمل هذا الاستغلال. هل ستفي حكومة اشتية بوعدها وتعمل ضد السماسرة الفلسطينيين؟

بقلم: عميره هاس

 هآرتس 27/10/2019

 

التعليقات على خبر: العمالة الفلسطينية داخل إسرائيل.. خبز اليهودي وملعب السماسرة

حمل التطبيق الأن